آخر الأحداث والمستجدات
مكناس.. ظاهرة التسول لدى الأطفال واليافعين والنساء: وجه يعكس الإهمال الاجتماعي

في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها العديد من المدن المغربية خلال السنوات الأخيرة، برزت في مدينة مكناس بشكل خاص ظاهرة أصبحت تثير قلقا متزايدا لدى المواطنين: انتشار القاصرين واليافعين والنساء أمام إشارات المرور، حيث يمارسون التسول أو تنظيف زجاج السيارات.
ما كان يمكن اعتباره سابقا حالة فردية من الاستجداء تحول اليوم إلى سلوك منتشر يحمل طابعا عدوانيا في كثير من الأحيان، حيث لا يقتصر الأمر على طلب المال، بل يمتد أحيانا إلى استخدام ألفاظ نابية، والإساءة اللفظية، وحتى التهديد والاعتداء على السائقين الذين يرفضون الإستجابة.
ولم يعد من الممكن التنقل في شوارع المدينة ( مرجان – المدينة الجديدة – الهديم – الرياض – البساتين-...) دون مواجهة أحد هؤلاء الأطفال أو اليافعين والنساء، الذين يقفون عند تقاطعات الطرق الرئيسية، حاملين أدوات متسخة للتنظيف، أو مادين أيديهم لطلب بعض الدراهم. ومع مرور الوقت، تحول هذا السلوك من كونه استثناء إلى ظاهرة اجتماعية منتشرة ، تهدد ليس فقط الشعور بالأمن الشخصي، بل أيضا القيم المجتمعية الأساسية.
وتكمن خطورة الوضع في أن بعض الأطفال القاصرين لا يتورعون عن استخدام أساليب غير لائقة، مثل إطلاق العبارات البذيئة، أو محاولة فتح أبواب السيارات، أو التحرش بالمواطنين، ما يجعل هذا السلوك يصنف ضمن مظاهر البلطجة. وفي كثير من الحالات، يظهر نوع من التواطؤ الضمني أو غض النظر من الجهات المعنية، مما يعزز استمرارية هذه الظاهرة.
فأسباب هذه الظاهرة متعددة ومتشابكة، وتبدأ غالبا من البيئة الأسرية، التي قد تكون تعاني من الفقر المدقع، أو الإهمال، أو حتى الاستغلال المباشر. إذ ثبت وجود حالات مؤكدة لعائلات تستغل أبناءها في التسول، وتستخدمهم كوسيلة للحصول على دخل يومي، بعيدا عن أي رقابة أو مساءلة. وفي حالات أخرى، ينضم اليافعون والقصر إلى شبكات منظمة تستفيد من براءتهم وصغر سنهم لجمع المال، أو لبيع منتجات غير مرخصة ومنتهية الصلاحية ( كما يفعل البعض في المقاهي توزيع انواع من الشكلاطة او البسكويت...)، أو حتى لممارسة التحرش.
والأمر الأكثر خطورة هو تحول بعض هؤلاء الأطفال القصر واليافعين إلى مشروع مجرمين، يستخدمون العنف والتهديد في سبيل تحقيق مآربهم المالية. ويتعامل هؤلاء المعنيين مع المارة ومستعملي الطريق كما لو كانوا أصحاب سيطرة على الفضاء العام، ما يولد شعورا بعدم الأمان حتى داخل المركبات الخاصة. ومن هنا تأتي الحاجة الملحة إلى التعامل مع الظاهرة بجدية، باعتبارها ليست مجرد سلوكيات فردية، بل مؤشرات على خلل عميق في النسيج الاجتماعي.
ولا يمكن مواجهة هذه الظاهرة عبر حلول فردية أو تصريحات إعلامية فقط، بل يتطلب الأمر تدخلا جادا ومتعدد الأطراف من مؤسسات الدولة المعنية، مثل الأمن الوطني، والنيابة العامة، ومصالح حماية الطفولة. يجب على هذه الجهات العمل بشكل تكاملي لرصد الحالات وإعادة تأهيل الأطفال الضالعين فيها، مع محاسبة من يستغلونهم، سواء كانوا أفرادا أو شبكات منظمة.
ومن الضروري وضع آليات واضحة وشفافة لتحديد من هم الأطفال الحقيقيون المحتاجون، ومن هم المستغلون، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهم، بدلا من الاكتفاء بإيداعهم في مراكز الحماية مؤقتا، ثم إعادة إدراجهم مرة أخرى في نفس البيئة التي جاءوا منها.
ولا يقل أهمية عن ذلك دور المجتمع المدني، الذي عليه أن يلعب دورا أكبر في التوعية المجتمعية حول خطورة استغلال الأطفال، ونشر ثقافة الرعاية والحماية بدلا من الإهمال والاستغلال. ويمكن للجمعيات الحقوقية والخيرية أن تنظم حملات تثقيفية تستهدف الأسر الفقيرة، وتقدم حلولا بديلة كمشاريع الدعم الاجتماعي أو التدريب المهني، مما يمنع توظيف الطفولة في أعمال غير أخلاقية وغير قانونية.
كما أن للإعلام دورا كبيرا في تسليط الضوء على القضايا الجوهرية الكامنة وراء هذه الظاهرة، وليس الاكتفاء بنقل المشاهد المأساوية دون تقديم حلول عملية. إذ يجب أن يكون الخطاب الإعلامي موجها نحو تحريك الضمير المجتمعي ودفع الجهات المسؤولة إلى تحمل مسؤولياتها اتجاه هذه الظاهرة.
وتعد ظاهرة انتشار القاصرين واليافعين والنساء أمام إشارات المرور ليست مجرد مشكلة أمنية عابرة، بل هي مؤشر واضح على خلل عميق في النسيج الاجتماعي، ومؤشر آخر على ضعف الرعاية الاجتماعية، وتقصير في دور الأسرة والدولة معا. إن استمرار غض الطرف عنها يعني أننا نستسلم لتحويل الشوارع إلى ساحات للبلطجة، وأن نحرم أطفالنا من حقهم في التعليم، والحماية، والطفولة السليمة.
علينا جميعا كمواطنين ومواطنات، ومؤسسات، ومجتمع مدني، أن نتعاون لوقف هذه المهزلة، وأن نعيد لهذه الفئات حقهم في مستقبل أفضل، بعيدا عن الكلام النابي، والعنف، والتسول. فالمجتمع الذي لا يحمي أطفاله يعد مجتمعا غير مسؤول عن الواقع المزري والمظلم الذي يواجه هذه الفئات.
خصوصا وأن المغرب مقبل على تنظيم عدة تظاهرات قارية ودولية من شأنها تعزيز مكانته كوجهة سياحية وثقافية رائدة على المستوى الافريقي بالاضافة الى الاسهام في دفع عجلة الاقتصاد الوطني.
الكاتب : | حسن جبوري |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2025-06-27 13:51:14 |